Tuesday, May 22, 2012

جديد الخنفشار:(الجنوبولكي) ومصيبة الصحافة السودانية!!


 هناك قصة طريفة تقول أن رجلاً كان يدّعي معرفة كل شيء، فنظم أصحابه مقلبا له بسؤاله عن كلمة لا وجود لها. وقد كانوا ستة فقرروا صياغتها من الحروف الأُوَل من أسمائهم مجتمعة و أسماؤهم هي خالد، ناصر،  فهد، شريف، احمد وراشد. فقالوا  له ماذا تعرف يا أخانا عن (الخنفشار)؟ فحك ذقنه وأجاب بلا فكرٍ ولا روية ، "تلك شجرةٌ تنمو في اليمن من شأنها ان يزيد اكلها ادرار الحليب ، وهو شيءٌ معروف كما قال الشاعر:

لقد جلبت محبتكم فؤادي كما جلب الحليب الخنفشار!!

          ما دفعني لذكر القصة أعلاه هو أن موقع (الشروق نت) كان قد وقع الأسبوع الماضي في خطأ  تحريري فظيع جداً، حيث نقل الموقع حديثاً لزعيم حزب الأمة الصادق المهدي، نقلاً عن حوار أجرته معه (الأهرام المصرية)، يقول مطلع الخبر أن الإمام يحّذر من وصول قوة (الجنوبولكي) لسدة الحكم في الجنوب،  وعلى الرغم من أن الخطأ في بدايته كان مطبعياً- أعني بموقع (الأهرام المصرية)- إلاّ أنه تحوّل الى خطأ تحريري عندما قام محرر موقع الشروق بنقل الخبر و كتابته بالضبط كما وجده دون تحرّي أو بذل أدنى مجهود، ربما لثقته الزائدة في أقوال الإمام أو لربما لتعوده على عدم فهم المصطلحات التي يشتقّها المهدي!
و المصيبة أن خطأ النقل وعدم التحري لم يتوقف عند الموقع فقط وإنما إمتد ليصل للعديد من الصحف التي صدرت في صباح اليوم التالي ونقلت الخبر كما هو من ذات الموقع -وحتى يكون الأمر تلميحاً فقط وليس تجريحاً، لن أذكر أسماء هذه الصحف، وسأكتفي بذكر معلومة صغيرة للقارئ وهي أنه يمكن إكتشاف هذه المسألة بقوقلتها (أي عمل بحث للكلمة على محّرك البحث بالإنترنت بموقع قوقل)! كما وأن المؤسف له أيضاً أن الخبر مرّ مرور الكرام في ذاك اليوم فلا الإمام ولا مكتبه علّق على محتوى التصريحات ولا حتى مسؤلوا الحكومة لم ينبسوا ببنت بشفة حول تحذيرات الإمام!!

       ما جعلني أتتبع هذا الموضوع هو أن الأستاذ نصرالدين الطيب الزميل النبيه ورئيس قسم الأخبار بصحيفة (ذى سيتزن) الإنجليزية، كان قد سألني يومها إن كنت أعلم معنى هذه الكلمة (الجنوبولكي)، بعد أن ذكر لي أين وجدها، فأجبته بالنفي بعد أن حاولنا معاً الإجتهاد في سبر غورها وذلك بمحاولة الرجوع لأصل الكلمتين (باعتبار أنها يمكن أن تكون مكونه من  شقّين)! وعندما لم تلفح المحاولة قمت بالرجوع الى مصدر الحوار موقع (الأهرام المصرية)، وعندها إندهشت جداً عندما إكتشفت أن كل مافي الأمر هو خطأ مطبعي كما أسلفت في بداية المقال، حيث أنه وعن طريق الخطأ أُدمجت كلمتا (الجنوب- ولكي) فصارت كلمة واحدة من غير مسافة(Space)  تفصل بينهما، واليك أيها القارئ الكريم النص كما ورد بمصدر التصريحات "ولذلك نحن نقول هنا للنظام أنه يجب أن نقرأ المستقبل وأن يكون هناك اجراء استباقي لأنه إذا أدت هذه الظروف إلي أن تقوم قوة بالاطاحة بنظام الخرطوم فإن ذلك لن يؤدي للاطاحة بالنظام بقدر ما سيؤدي إلي حرب, خصوصا إذا كانت هذه القوة مدعومة من الجنوبولكي نتجنب الحرب الأهلية, والحرب بين دولتي شمال وجنوب السودان, فقد قدمنا مشروع سميناه أجندة الخلاص الوطني, نطالب فيه بالعمل علي الحيلولة دون حرب أهلية أو حرب شاملة علي نمط ما حدث في ليبيا وما تشهده سوريا."
كما ويمكن الرجوع اليه بتتبع هذا الرابط:


       أمر آخر مهم هو أني عندما إكتشفت فظاعة هذا الخطأ الذي وقع فيه موقع الشروق حاولت أن أتدارك الأمر بالإتصال على إدارة الموقع ولكن للأسف تعّذر ذلك حينما لم أجد أية معلومات للإتصال بالموقع، فالمتعارف عليه هو أن لكل موقع أيقونة تدعى (إتصل بنا) أو (من نحن) يوجد بها بريد إلكتروني (E-mail) لمراسلة الموقع، في نهاية الأمر توصلت إلى أن أرسل ملاحظاتي كتعليق على الخبر، آملاً أن تتم قرأته قبل نشره، فتتم الإستفادة منه دون نشره كما بينت ذلك كتابة ولكن للأسف تم نشره أيضاً ولم ينتبه له أحد الى حين كتابة هذا المقال!!

يمكن أيضاً قراءة التعليق بتتبع الرابط أدناه:



        بالعودة لمصطلح (الجنوبولكي) أود الإشارة إلى أمرٍ مهم وهو ظاهرة الكسل الصحفي –إن جاز التعبير!- حيث أن العديد من المحررين الصحفيين إعتادوا مؤخراً على أخذ الأخبار من المواقع الإلكترونية ونشرها دون القيام بتحريرها أو تتبع مصدرها (فقط نسخ ولصق) والأدهى والأَمّر هو عندما وجدت مقالاً بالزميلة (الوطن) لكاتب يدعى (فيصل خالد)، حيث كتب خالد في عموده اليومي (في العمق) مقالاً عن ذات الموضوع بعنوان (الجنوبولكي) ، مرتكباً ذات الخطأ، بل وطفق مفسّراً وشارحاً لمعنى المصطلح من عنده مثنياً و ممجداً شخصية الإمام الصادق المهدي، حيث قال: "تميز الإمام الصادق المهدي بقدرات لغوية عالية ، ويجيد فن «النحت» ، ويرفد قاموس السياسية السودانية بمصطلحات جديدة"... ومضى في قوله مستشهداً بمصطلحات أخرى للمهدي وأقتبس "وأيام  تسجيل الأحزاب بقانون التوالي ، حينما تجرأ الصحافي النور جادين بتسجيل «حزب الأمة»، أطلق الإمام على هذه الظاهرة «النرجدة» على سبيل السخرية من هذه الخطوة ، والمصطلح مشتق  من اسم صاحبه ، ويقارب «النرجسة» ،  كثيرا ما حذّر الإمام من خطر (الصومله)  و(الافغنة) ، الذي ينتظر السودان في جديد «قاموس الصادق لشرح المقاصد»  وهذه من عندي! تحذيره من أن وصول قوة «الجنوبولكي» للحكم  سيؤدي للحرب ، فما أصل هذا المصطلح المنحوت من كلمتين «الجنوب» و«بلوكي»؟ الأولى معروفة ، أما الثانية فمصطلح انثروبولوجي ، يعرف أيضا بـ«البلوش» ، وينحدرون من «بلوشستان» وهو إقليم جاف يقع على طرف الهضبة الإيرانية ، ويمتد بين كل من إيران وباكستان وأفغانستان ، سميت المنطقة بذلك بعد نزوح القبائل البلوجية إليها قبل 2000 سنة" نهاية الإقتباس ويمكن أيضاً تكملة قراءة المقال بتتبع الرابط أدناه:

         أسهب الكاتب في مدح الإمام ولم يتوقف ولو لبرهه لإخضاع المصطلح الجديد -حسب ظنه- للتدقيق أو المساءلة، ويذكرني هذا أيضاً ما يروى عن أحد (الأحباب) الأنصار المريدين للإمام، حيث تقول الرواية- والعهدة على الراوي!- أن هذا الحواريُّ الأنصاري أخبر صديقه، في ذات جمعة، بأن الإمام الصادق قد ألقى خطبةً بليغةً، فما كان من صاحبه إلاّ وأن سأله وماذا كان موضوع الخطبة؟، فقال المريد " هآ زول كلام سيدي كمان بتفهم؟)!!
       آخيراً وليس آخراً وفي خاتمة مقالي هذا، أود أن أنبه الزملاء في (صالات تحرير الأخبار) إلى أنه ما كل ما يسمع يكتب، خاصةً في مثل هذه الحالات، إذ أنه من المعيب جداً أن تفوت مثل هذه الهفوة على كافة أعضاء هيئة التحرير والمصحّح اللغوي فلا يتوقف أحد عند اصل مثل هذه الكلمة التي لا تحمل اي معنىً او قيمة ولا توجد في معاجم اللغات جميعها ولا حتى قاموس الصادق المهدي!!
نيابة عن زملائى الصحفيين الذين استمرؤا الكسل، اعتذر للقراء الكرام – وبأثر رجعى - عن هذا الخطأ المطبعى، وأنفى لهم – جملة وتفصيلاً – أى وجود لجنوبولكى مزعوم، سواءً فى اللغة او فى التاريخ المعاش.

No comments: